قليلٌ عن راء ..

الخميس، 1 مارس 2018

ميزانُ الكم والكيف



الكم والكيف غالبًا ما تأتيان في الجملة ذاتها، ولكن هل يحملان المعنى ذاته؟

لا نقول متضادتين، ولا مترادفتين، بل نقول كلمتين مترابطتين في كثيرٍ من الأحيان وتحملُ كلٌّ منهما معنًى مختلف.

يقول ستيف جوبز :

"الجودة دائمًا تتفوق على الكم في الأهمية؛ فصنعُ شيءٍ واحد كامل أفضل من صنع شيئين ناقصين"
وحين ننظر بعمقٍ أكبر لمسؤولياتنا، مشاركاتنا، لأعمالنا، لعلاقاتنا، نرى طغيان كفّة الكم على كفّة الكيف. نحاول جاهدين جمع أكبر عددٍ من كلِّ شيء؛ ظنًّا منا أن هذا هو الصواب و"عين العقل"! وأن الذين لا يسلكون نهجنا ولا يحاولون خوض ذات السباق متأخرون عنا، متخلفون عن عصرنا، ولا يعرفون مصلحتهم. كثيرًا ما تجتاحني الرغبة في رفع هذا الغطاء الثقيل الشائك عن أنظارنا وأفهامنا، ونَفضَه ليزول كل ما يشوب فكرنا، ويعرقل مسيرتنا؛ كي تتضح لنا حقيقة كفتي الكم والكيف !


ما المقصود بكفتي الكم والكيف؟

  • كفة الكم : هي أن ينصب تفكير الشخص على عدد الأعمال والعلاقات التي يقوم بها ويكتسبها بغضِّ النظر عن جودتها، ومدى فائدتها على المستوى الشخصي والمجتمعي.
  • كفة الكيف : هي أن يكون التركيز الأول على الجودة وإتقان الأعمال والعلاقات التي يقوم بها الشخص ويكتسبها على الصعيدين الشخصي والمجتمعي.

كثيرًا ما نهتم لإثقال كفة الكم دون الكيف؛ بحجة أن هذا ما سيصقلنا، سيزيد من مهاراتنا، خبراتنا، فرصنا في سوق العمل، شغل أوقات فراغنا ... وغيرها من الأسباب الكثير. أصبح اللهث وراء المشاركات وتكوين العلاقات الكثيرة هو المطلب والمسعى، لا الوسيلة والطريقة التي ستساعدنا للوصول لغاياتنا الأسمى.


ما السبب الرئيس وراء ذلك؟

سوء إدراك المبدأ، الغاية، والمفاهيم هو ما أوصلنا إلى هذا الحد، هو ما جعلنا نترقب كل ما هو جديد، نبحث عن كل ما قد يزيد من رصيدنا متغافلين عن ماهية الرصيد نفسه.


كم منا تغريه كلمة :

"توجد شهادات"

إما لحضور الدورات أو لتنظيم فعالياتٍ معينة؟ لغاية الشهادة فقط؟ بغض النظر عن مدى فائدة الدورة أو مناسبة مُلقيها، وبغض النظر عن نوع الفعالية والهدف الذي تسعى لتحقيقه؟ كم منا أصبح هدفه قراءة أكبر عدد من الكتب بغض النظر عن الفائدة التي يتلقاها؟ وكم منا أصبح يبحث عما يشغل وقت فراغه، ليتفاخر به لاحقًا ويقول فعلتُ كذا وكذا؟


يقول عباس العقاد :
"اقرأ كتابًا جيدًا ثلاث مرات، أنفع لك من أن تقرأ ثلاث كتب جيدة"

لم يقلها لأننا لا نملك إلا كتابًا واحدًا، ولا لأن سقف أهدافنا وطموحاتنا منخفضين؛ قالها لأنه مدركٌ تمامًا هدف القراءة، مدركٌ أن الهدف من قراءة الكتاب هو الإحاطة واكتساب العلم الذي يحويه.

لو توقفنا لقليلٍ من الوقت وتأملنا حالنا ومآلنا؛ لرأينا كوضوح الشمس كيف أننا أصبحنا ننقادُ مغسولي الدماغ وراء كل سيل يمرُّ من أمامنا.

هل خلاصة حديثي أن ننقد حالنا ونجلس مكتوفي الأيدي ونتأمل من نوافذ منازلنا كلَّ من يعبر الشارع؟ أن نكتفي بكتابٍ واحد طوال حياتنا، وأن نعيد قراءته مرارًا وتكرارًا حتى نحفظه عن ظهر قلب؟ أن نقطع علاقاتنا مع الناس وننعزل عنهم؟ أن نترك كل ما كان يملأ أوقات فراغنا ونضع اليد على الخد؟

أبدًا! 


"الفرص تمرُّ مرَّ السحاب؛ فانتهزوا فرص الخير"

كيف لنا أن نصل لهذا المستوى من الاختيار الجيد؟


بأن نعرف أهدافنا وغاياتنا ونحددها بوضوح، ومن ثم نختار الفرص التي ستساعدنا لتحقيق الأهداف، كمثال :
  • هدفي إثراء معرفتي في مجال تخصصي > أُسجل في دورات ومحاضرات في ذات المجال بعد أن أبحث عمن سيقدِّم اللقاء للتأكد من أني سأخرج من اللقاء بفائدة لا صفر اليدين.

  • هدفي أن أصبح اجتماعية وأحظى بعلاقات قوية > أكوِّن علاقات مع من هم حولي، ولكن لا أحاول الدخول بعمقٍ في كل علاقة، بعد فترة سأعرف أيُّ العلاقات التي يجب أن أحتفظ وأتشبّث بها، وأيُّها من الأفضل أن أُسطِّحها قدر الإمكان وألا أجعلها تأخذ حجمًا أكبر مما تستحق.

  • هدفي الحصول على وظيفةٍ مرموقة > أركّز على التطوع والمشاركة والتدريب فيما سيساعد من رفع مستواي وزيادة خبراتي ومهاراتي التي أحتاجها في تلك الوظيفة. أن أنوع بين المشاركات، ما بين إدارةٍ، وتنظيمٍ، وتخطيطٍ، وإشرافٍ، وأن أركِّز على جودة كل ما أقدمه وما أكتسبه.



"النفس إن لم تشغلها بالطاعة؛ شغلتك بالمعصية"

المهم أن يوازن الإنسان بين الكفتي بحيث لا تطغى إحداهما على الأخرى. والذكاء أن يعرف الإنسان على أيِّ العلاقات يحافظ، وفي أي الأنشطة يُشارك، وأن يعرف كيف يستثمر وقته بما يفيده حقًا لا كيف يشغله وحسب. 


"إذا لم تستطع فعل أشياء عظيمة، فافعل أشياء صغيرة بطرق عظيمة"



أسعد بتعليقكاتكم ومشاركة إثرائكم!


"سبحانك اللّهمّ وبحمدك، أشهد أنّ لا إله إلّا  أنت، أستغفرك وأتوب إليك"